vendredi 29 novembre 2013
الفَرْق بَيْن الذّرائع والحِيَل
الفَرْق
بَيْن الذّرائع
والحِيَل
بَعْد الوقوف على حقيقة الذّرائع وأقسامها وحُكْمها وَجَب علينا أنْ نُحَدِّد العلاقة بَيْنها وبَيْن الحِيَل ؛ حتّى لا يَلْتَبِس على البعض أنّهما سواء ..
ولِتحديد
هذه
العلاقة
علينا
أنْ
نَسْتَعْرِض
ما
يلي
:
1- تعريف الحِيَل .
2- أقسامها وحُكْمها .
3- مقارَنة بَيْن الحِيَل والذّرائع .
ونُوجِز
القول في كُلّ واحد منها فيما يلي :
أوّلاً - تعريف
الحِيَل
:
والحِيَل
لغةً :
جَمْع " حيلة " .
والحِيلَة
بالكَسْر
:
الاسم مِن " الاحتيال " ، وهي الحذق وجودة النظر والقدرة على دقة التصرف
واصطلاحاً
:
عَرَّفَها القرطبي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّها :
لَفْظ عامّ لأنواع أسباب التخلص .
وعَرَّفها الراغب الأصفهاني (2) ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّها :
ما يُتَوَصَّل
به إلى حالةٍ ما في خفيَة.
وعَرَّفها الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ بأنّها : تقديم عملٍ ظاهرِ الجواز لإبطال حُكْم شَرْعيّ
وتحويله
في الظاهر إلى حُكْم آخَر (4) .
وأَرَى :
أنّ تعريفَي القرطبي والراغب الأصفهاني ـ رحمهما الله
تعالى ـ يَتَّفِقان مع التعريف اللغوي ، والجامع
بَيْنهما
هو :
القدرة على دقّة التصرف .
أمَّا تعريف الشاطبي
:
فإنّه قاصِر ـ في نظري ـ على تعريف الحِيَل المُحَرَّمة ، ولِذا فهو مُسْتَبْعَد ؛ لأنّنا نُعَرِّف الحِيَل بصفة
عامّة .
(1) تفسير القرطبي
معجم
والأَوْلى
عندي :
تعريف القرطبي رحمه الله تعالى ؛ لأنّ الحِيَل ليس كُلّها مُحَرَّماً كما ذَهَب بعض العلماء (1) ، ولِذا عَدّ البعضُ الحِيَلَ الشَّرْعيَّة عِلْماً وباباً مِن أبواب الفقه كالفرائض (2) .
أقسام الحِيَل
وحُكْمها
:
والحِيَل
تَنْقَسِم
إلى قِسْميْن
:
حِيَل مذمومة ، وحِيَل محمودة وجائزة .
وفي ذلك يقول الراغب الأصفهاني رحمه الله :" وأَكْثَر استعمالها فيما في تَعاطيه خُبْث ، وقَدْ تُسْتَعْمَل فيما فيه حكمة " (3) ا.هـ .
ونُفَصِّل
القول في كُلّ قِسْم منهما فيما يلي ..
القِسْم الأول
: حِيَل
مذمومة
:
وهي التي تُوصل إلى استحلال المُحَرَّم وإبطال الحقوق وإسقاط الواجبات .
مثالها
:
مَن وَهَب ماله لِغَيْره قَبْل الحَوْل فراراً مِن الزكاة ثُمّ اسْتَرَدّه بَعْد ذلك ؛ فهذه حيلة باطلة ؛ لأنّ فيها إسقاطاً لِلواجب وهروباً مِن الزكاة (1) .
(1) يُرَاجَع : المُبْدِع 8/151 وكشّاف
القناع 5/436
حُكْمها
:
والحِيَل المذمومة مُحَرَّمة وباطلة ..
ودليل ذلك :
قوْله صلى الله عليه و سلم
{
لاَ تَرْتَكِبُوا
مَا ارْتَكَبَ
الْيَهُودُ
فتَسْتَحِلُّوا
مَحَارِمَ
اللَّهِ
بِأَدْنَى
الحِيَل
}
(1) .
ولِذا قال الجمهور : إنّ الزكاة لا تسقط عن الفارّ بالهبة أو التصرف قَبْل الحَوْل ، وكذلك لا تسقط الكفّارة فيمَن أَفْطَر ثُمّ جامَع (2) .
والحنفية اعْتَبَروا الحِيَل وأجازوها بشَرْط أنْ لا يَقْصِد المحتال إبطال الحُكْم ؛ فإنّ هذا القصد بخصوصه ممنوع ؛ لأنّه عِنَاد لِلشارع : كما إذا امْتَنَع عن أداء الزكاة ، فلا يخالِف أبو حنيفة t
في أنّ قَصْد إبطال الأحكام سراحاً ممنوع ، وأمَّا إبطاله ضِمْناً فلا ؛ وإلا امْتَنَعَت الهبة عند رَأْس الحَوْل مُطْلَقاً (3) .
ومِمَّا تَقَدَّم تَكون الحِيَل باطلةً إذا قَصَد المحتال إبطال الحُكْم ، أمَّا إذا لم يَقْصِدْ ذلك : فهي جائزة عند الحنفية ، غَيْر جائزة عند الجمهور .
فالجمهور يَعتبرونها في الحِيَل ، فإنْ آلت إلى إبطال حُكْم
(1) أَخْرَجه ابن بطة عن أبي هريرة t
بإسناد
أو
إسقاط واجب فهي باطلة ، دُون اعتبار لِقَصْد المحتال .
وهذا يَرْجِع ـ فيما أَرَى ـ إلى العِبْرَة في الحِيَل : هلْ هي المَقاصد أو المآلات ؟
والحنفية يَعتبرون قَصْد المحتال ؛ فإذا لم يَقْصِدْ إبطال الحُكْم فليست باطلةً حتّى وإنْ آلت إلى إبطال حُكْم أو إسقاط واجب .
والراجح
عندي :
ما عليه الجمهور ؛ لأنّنا لو رَبَطْنَا حُكْم الحِيَل بالمَقاصد لأَبْطَلْنَا كثيراً مِن الأحكام وأَسْقَطْنَا كثيراً مِن الواجبات بحُجَّة عدم القصد ، والأَوْلى رَبْطها بمآلات الأفعال ؛ فإنْ آلت إلى مُحَرَّم كانت مُحَرَّمةً وباطلةً ، ولا عِبْرَة بقصد المحتال .
القِسْم الثاني
: حِيَل
محمودة
:
وهي التي تُوصل إلى كُلّ فِعْل مباح ، واجباً كان أم مندوباً أم مباحاً .
مثالها
:
الحيلة على هزيمة الكفّار كما فَعَل نُعَيّم بن مسعود
t (1) يَوْم الخندق .
(1) نُعَيم بن مسعود :
هو الصّحابيّ الجليل أبو سلمة نُعَيم بن مسعود بن عامر الغطفاني الأشجعي t
، أَسْلَم في وقعة الخندق ، وأَوْقَع الخلاف بيْن اليهود والمشرِكين فتَنازَعوا ورحلوا عن
وكذلك :
حيلة محمد بن مسلمة t
(1) في قَتْل كَعْب ابن الأشرف (2) (3) .
ومنها :
فَتْوَى الإمام أبي حنيفة t
فيمَن حَلَف لا يأكل مِن
هذا الخبز فأَكَله بَعْدما تَفَتَّت لا يَحْنُث ؛ لأنّه لا يُسَمَّى " خبزاً " ، وفي حيلة أكْله يَدُقّه فيلقيه في عصيدة ويُطْبَخ حتّى يصير الخبز هالكاً (4) .
حُكْمها
:
وهذه الحِيَل جائزة وحلال ولا إثْم في فِعْلها ، وقَدْ يثاب على ذلك .
ودليل جواز هذه الحِيَل
:
قوْله تَبارَك وتعالى {
إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ
مِنَ الرّجَالِ
وَالنِـّسَاءِ
وَالْوِلْدَنِ
لا يَسْتَطِيعُونَ
حِيلَةً
وَلا يَهْتَدُونَ
سَبِيلا
} (5)
.
وكذلك :
فِعْل الصحابة لها بِعِلْم النَّبِيّ صلى الله عليه و سلم
دليل على جوازها .
ثالثاً : الفَرْق
بَيْن
الحِيَل
والذّرائع
:
ومِمَّا تَقَدَّم يَتَّضِح لنا أنّ الحِيَل والذّرائع كُلٌّ منهما وسيلة إلى غَيْره ، كما أنّ كُلّ واحد منهما يَنْقَسِم إلى قِسْمَيْن : جائز ، وغَيْر جائز .
إلا
أنَّه
يُمْكِن
التوصل
إلى
فَرْقَيْن
بَيْنهما
:
الفَرْق الأول
:
أنّ الحِيَل المذمومة تَتَّفِق مع سَدّ الذّرائع في أنّ كُلاًّ منهما مُوصل إلى الحرام ، إلا أنّ الحِيَل الممنوعة أو المذمومة تُبْطِل حُكْماً شرعيّاً وتُحَوِّله في الظاهر إلى حُكْم آخَر ..
وفي سَدّ الذّرائع
:
الحرام في الأصل مُحَدَّد ومعلوم ، ولِذا وَجَب قَطْع طريقه ووسيلته ( ذريعته ) ، وليس في ذلك تحويل أو قَلْب لِحُكْم جائز إلى حُكْم غَيْر جائز وممنوع .
الفَرْق الثاني
:
أنّ الحِيَل المحمودة والجائزة غايتها التوصل إلى فِعْل مباح مندوباً كان أم واجباً أم مباحاً ..
أمَّا سَدّ الذّرائع
:
فإنّها تَمْنَع الفعل المباح لإفضائه إلى الحرام .
ومِن هُنَا كانت الحِيَل المحمودة والجائزة مناقِضةً لِسَدّ الذّرائع ، أمَّا الحِيَل الممنوعة فإنّها مُتَّفِقة مع سَدّ الذّرائع في الحرمة ، بلْ حُرْمتها أَشَدّ وأَوْلى ، وتجويز هذه الحِيَل الممنوعة ـ ولا أَظُنّ أنّ أحداً يَقُوله ـ يَجْعلها مناقِضةً لِسَدّ الذّرائع .
وعلى هذا أَوَّلْتُ قوْل ابن القيّم رحمه الله تعالى :" وتجويز الحِيَل يناقِض سَدّ الذّرائع مناقَضةً ظاهرةً ؛ فإنّ الشارع يَسُدّ الطريق إلى المَفاسد بِكُلّ مُمْكِن ، والمحتال يَفْتَح الطريق إليها بحيلة فأيْن مَن مُنِع مِن الجائز خشيةَ الوقوع في الحرام إلى مَن يُعْمِل الحيلة في التوصل إليه ؟! " (1) ..
وواضِح مِن عبارة ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ أنَّه يَقْصِد بتجويز الحِيَل : الحيلَ الممنوعةَ في قوْله :" فأيْن مَن مُنِع مِن الجائز خشيةَ الوقوع في الحرام إلى مَن يُعْمِل الحيلة في التوصل إليه ؟! "
Inscription à :
Articles (Atom)