أدلة الأحكام في أصول
الفقه
بقلم أبو يوسف العنزي
تعريف الأدلة : جمع دليل , والدليل
في اللغة هو المُرشد إلى الشيء.
واصطلاحاً : ما يمكن التوصل بصحيح
النظر فيه إلى مطلوب خبري ، والمقصود بالنظر هنا هو الفكر
سواء كان هذا الفكر موصل إلى علم أو إلى ظن وعندما قلنا بصحيح النظر هذا يخرج
النظر الفاسد المخالف للعقل السليم أو الفطرة المستقيمة أو مخالف للغة أو الشرع
وهذا لا يسمى دليل في الاصطلاح ولا يدخل في الدليل وإن كان قد أوصل لحكم , والدليل
لفظ عام يشمل الدليل الشرعي وغيره ولكن ما نبحث عنه في علم أصول الفقه هي الأدلة
الشرعية وكذلك قلنا أدلة الأحكام الشرعية و ليست الأدلة العقلية المحضة فقط .
أقسام الأدلة الشرعية : (تنقسم
بعدة اعتبارات )
1/ باعتبار الاتفاق على
العمل بها : (أ/ أدلة متفق عليها وهي
القرآن والسنة والإجماع والقياس ، ب/ أدلة مختلف فيها وهي كثيرة منها : قول
الصحابي أو مذهب الصحابي والاستحسان والمصلحة المرسلة وشرع من قبلنا والاستصحاب
وسد الذرائع والعرف .
وبعض العلماء يجعلها ثلاثة أقسام وهي
أدلة متفق عليها وهي القرآن والسنة وأدلة فيها خلاف ضعيف وهي الإجماع والقياس
وأدلة فيها خلاف قوي ويذكر فيها باقي الأدلة قول الصحابي ... إلخ .
2/ باعتبار طرق معرفتها
: (أ/
أدلة نقليه : جاءت بطريق النقل وهي القرآن والسنة والإجماع وقول الصحابي وشرع
من قبلنا والعرف فهذه لابد لها من سندٍ تنقل به وتثبت بطريق منقول إما متواتر أو
أحادي ، ب/ أدلة عقلية : القياس والمصلحة المرسلة وسد الذرائع والاستحسان
والاستصحاب) ، وقولنا أدلة عقلية لا يعني أنها عقلية محضة بل هي أدلة عقلية
مستندة إلى نقل فمن يريد أن يقيس فلابد أن يستند إلى القرآن والسنة ليقيس عليه
ومن يستعمل مصلحة فلابد أن ينظر إلى شهادة الشرع وهكذا سد الذرائع والاستحسان
والاستصحاب .
3/ من حيث قوة دلالتها
:
(أ/ أدلة قطعية : تدل على الحكم من غير احتمال ضده كقوله تعالى (فَصِيَامُ
ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) فيمن حج متمتعاً
ولم يجد الهدي وهذا العدد في الآية عشرة أيام عدد قطعي لا يحتمل ضده ، ب/ أدلة
ظنية : تدل على الحكم مع احتمال ضدها احتمالاً مرجوحاً كقوله تعالى (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى)
فالآية تدل بظاهرها على أن كلاً من المن والأذى يبطل الصدقة ويذهب أجرها ولا يلتفت
للاحتمال المرجوح الذي تحتمله الآية وهو أن الصدقة لا تبطل إلا بمجموع الأمرين .
تنبيه : الأصل في الأدلة الشرعية هو
العموم
سواء جاءت بصيغة العموم أو الخصوص إلا أن يدل على خصوصيتها دليل , فالآيات
والأحاديث الواردة بصيغة العموم لا إشكال في عمومها وأما الواردة بصيغة الخصوص
كالموجهة إلى فرد معين أو أفرادٍ محصورين فهذه تكون عامة فيهم وفيمن كان كحالهم
فلا تختص بهم ، فالحديث الوارد في رجم ماعز لما زنا يدخل فيها كل زانٍ محصن ,
والحديث الوارد في قتل العُرنيين الذين قتلوا الرعاة وسملوا أعينهم يشمل من يعمل
مثل فعلهم بطريق المعنى .
والدليل على أن الأصل في العموم :
عموم رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به
من الشرع قال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا
وَنَذِيرًا) ومن مقتضيات عموم رسالته أن تكون الخطابات والأدلة الواردة شاملة
للمكلفين عموماً ومن الأدلة قوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) فإذا كان التأسي بالرسول صلى الله علية وسلم
مطلوباً فيكون ما ثبت في حقه من الأحكام ثابتاً في حق أمته إلا أن يقوم دليل على
خصوصيته بالنبي صلى الله عليه وسلم .
القرآن الكريم :
تعريفه :
هو كلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بلسان عربي معجز
المتعبد بتلاوته المنقول بالتواتر المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس .
خصائص القرآن ومزاياه : القرآن كلام الله بلفظه ومعناه فيجب له من الأحكام مالا يجب لكلام البشر , كفضل المداومة على تلاوته والتأدب عند تلاوته وحصول الفضل بتلاوته والوقوف عند أحكامه ، وهو منزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعجزة التي تحدى بها العرب ، وهو معجز لا يمكن الإتيان بمثله أو بمثل بعض آياته مهما بلغ الإنسان من الفصاحة والبلاغة ، ويتعبد بتلاوته ، ومنقول بالتواتر فنقله جماعة كثير يستحيل في العادة اتفاقهم على الكذب لكثرتهم واختلاف أماكنهم (وهذه ميزه أنفرد بها القرآن عن غيره من الكتب السماوية) ونقل القرآن بطريقة التواتر من غير اختلاف بين الناقلين دليل على سلامته من التحريف ومن الزيادة والنقص , والعقلاء من البشر يتفقون على أن الخبر المنقول بهذه الصورة من التواتر لا يمكن اتفاق الناقلين له على الكذب ولا على التحريف ، ولا عبرة لما يدعيه الروافض من أن هناك سوراً أو آيات في القرآن الكريم لم تنقل في المصحف الذي جمعه عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي سمى المصحف الإمام .
حجية القرآن الكريم : المسلمين اتفقوا على أن القرآن حجة يجب العمل به فلا يخالف في اصل الاحتجاج بالقرآن إلا كافر معاند ، وللعمل بالقرآن الكريم لابد من تحقيق بعض الأمور :
1/ معرفة مدلولات اللغة العربية لأنها
لغة القرآن الكريم .
2/ تدبر القرآن عملاً
بقوله تعالى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مُدكر) (أفلا يتدبرون القرآن أم على
قلوبٍ أقفالها) .
3/ الإطلاع على أسباب نزول آيات
القرآن وما يتصل بذلك من معرفة عادات العرب وأعرافهم وأساليبهم في التعامل .
4/ الاستعانة بسنة الرسول e
لفهم القرآن فإن كثيراً من أحكام القرآن تحتاج
إلى بيان السنة لها .
القراءات الواردة في
القرآن : القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف
تسهيلاً وتيسيراً على الناس يدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (أنزل
القرآن على سبعة أحرف) والأحرف السبعة التي نزل القرآن بها كلها عربية لكن لما جمع
القرآن في المصاحف الجمعة الأخيرة أقتصر فيه على حرف واحد وهو الحرف الذي كانت
قريش تقرأ به والقراءات العشر لا تخرج عن الحرف الذي أثبت في المصحف العثماني وقيل
أن مصحف عثمان مشتمل على الأحرف السبعة ، والقراءات الواردة في القرآن منها ما
هو قراءة صحيحة لكونه متواتر ومنها ما هو قراءة شاذة .
القراءة الصحيحة : هي التي صح سندها
ووافقت اللغة العربية ولو من وجه واحد ووافقت رسم المصحف العثماني ونقلت نقلاً
متواتراً.
القراءة الشاذة: هي التي صح سندها ووافقت
وجه من الأوجه العربية لكنها خالفت رسم المصحف العثماني , وبعضهم عبّر عنها
بالقراءة الأحادية ومن عبر عنها بالأحادية فإنه يزيد عليها لفظاً يدل على ذلك
ويقول ولم تنقل تواتراً .
ومخالفة رسم المصحف العثماني في
القراءة الشاذة قد تكون بزيادة كلمه أو تغييرها كقراءة ابن مسعود (فصيام ثلاثة
أيام متتابعات) في كفارة اليمين , فكلمة متتابعات غير موجودة في الرسم العثماني
ولهذا أطلق عليها بعض العلماء أسم القراءة الشاذة أو الأحادية ، وأختلف
الأصوليون في الاحتجاج بهذه القراءة في الأحكام الشرعية : 1/ أنها حجة : قول
أبي حنيفة وأحمد ودليلهم أن هذه القراءة نقلت عن الرسول صلى الله عليه وسلم بسند
صحيح فهي لا تخلو إما أن تكون قرآناً أو سنّةً , وعلى كلا الاحتمالين فهي حجة .
2/ أنها ليست بحجة : قول
الشافعي وأستدل بدليل أن الصحابي نقلها على أنها قرآن ولم ينقلها على أنها سنّة
وهي لا يمكن أن تكون قرآناً لأن القرآن متواتر ، والظاهر أنها تفسير من الصحابي
نفسه ومذهب الصحابي ليس حجة عند الإمام الشافعي .
والراجح القول الأول
أن القراءة الشاذة وان كانت قول صحابي فإن قول الصحابي في تفسير القرآن حجة لأننا
نعلم من حال الصحابة أنهم يتورعون عن القول في كتاب الله بما لا علم لهم به وهذا
يدل على أنهم لم يقولوا هذا اجتهاداً أنما قالوه ربما ذلك تفسير أو مذهب له لكنه
أخذه من الرسول الكريم ونقطع بذلك فتكون هذه
القراءة حجة .
من الفروع التي تنبني على هذا الخلاف
: وجوب التتابع في صيام كفارة اليمين فأختلف العلماء هل يجب التتابع في صيام
الثلاثة الأيام فبناءً على القول الأول يقول نعم لابد من التتابع ويحتج بذلك على
قراءة بن مسعود (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وهناك من لا يوجب التتابع مثل علماء
المالكية والشافعية لأنهم لا يحتجون بالقراءة الشاذة ، ومن الأمثلة المراد بالصلاة
الوسطى في قولة تعالى (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) وورد في قراءة عائشة
رضي الله عنها (والصلاة الوسطى وصلاة العصر) فمن أحتج بالقراءة الشاذة أحتج بأن
الصلاة الوسطى ليست صلاة العصر لعطفها بالواو على الصلاة الوسطى والعطف يقتضي
المغايرة ومن لم يحتج بالقراءة الأحادية لم يحتج بهذه القراءة .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire